تحضير نص الصراع بين القدماء والمحدثين
طه حسين أديب مصري حديث من مواليد سنة 1889 م (15 نوفمبر 1889 - 28 أكتوبر 1973) درس في الكتاب وفي جامع الأزهر , ثم أتم دراسته بفرنسا , اشتغل في التعليم , ثم أصبح وزيرا للتربية والتعليم , و هو أحد أكثر الكتاب والمفكرين المصريين تأثيرًا في القرن العشرين ، وكان أحد رموز النهضة المصرية والحركة الحداثية في الشرق. شرق وشمال أفريقيا. لقبه كان "عميد الأدب العربي". تم ترشيحه لجائزة نوبل في الأدب أربع عشرة مرة. توفي سنة 1973م , من مؤلفاته حديث الأربعاء , ومن تاريخ الأدب العربي
نهضة الادب في عهد الدولة الرستمية
النّص
كان أمر العربان مع الفرس، كأمر الرّومان مع اليونانيين من وجوه كثيرة، فقد سبق إلى بلاد فارس الحضارة و النّظام، و أخذوا منها بنصيب موفور قبل أن يغزوهم سلطان الأمّة العربانبة ، فلمّا جاء الإسلام و كان الغزو ، و تمكّن للعربان بلاد فارس، كان القتال و التّغالب بين الحضارة الفارسيّة و بداوة العربان ، بين اللّين و الخشونة، بين حياة الترف المعقّدة ، و الحياة البسيطة الهيّنة. لم يكن هذا القتال عنيفا حين كانت المادّيّة موضوعه فكلّ النّاس يؤثر اللّين على الخشونة و يفضّل النّعمة على البؤس و يحرص على أن يستبدل الإثراء بالعدم. و إنّما كان القتال عنيفا بعض العنف حين كانت الحياة العقليّة موضوعا له، فاشتدّ النّضال بين أنصار عادات الاعراب القديمة و السّنن الاعرابية الموروثة، و أنصار العادات و السّنن الفارسيّة. و لم يكد ينقضي القرن الأوّل للهجرة حتّى ظهر انتصار الجديد و أخذ القديم ينهزم أمامه، فانتصرت الحضارة و اشتدّت فيها رغبة العربان من أهل المدن على اختلاف طبقاتهم و منازلهم الاجتماعيّة، و كان هذا الانتصار عاما تناول الحياة المادّيّة و العقليّة و تناول معهما حياة الشّعور، ففكّر الاعراب المحدِثون بطريقة تخالف مخالفة شديدة تفكير الاعراب القدماء. و عاشوا في قصورهم عيشة تخالف عيشة آبائهم و قد آثر هؤلاء المحدِثون من العربان عيشة الفرس و غير الفرس و تفكيرهم، على عيشة الاعراب و تفكيرهم، و وُجد هؤلاء الشّعراء و الكتّاب و الفلاسفة الّذين كانوا يسخرون من كلّ قديم و يحتفون بكلّ جديد، و يجهرون بذلك حينا و يسرّون حينا آخر يأمنون معه دهرا، و يلقون في سبيل الموت من وقت إلى وقت. وُجد " مُطيع بن إياس " الّذي كان لا يبالي أ كان عنيفا أو مرذول السّيرة، و وُجد " حمّاد عجرد " الّذي لم يكن يحفل بدين و لا بدنيا، إنّما كان يأخذ اللّذّة حيثما وجدها، و وُجد " مسلم بن الوليد " و غيرهم. و كان " أبو نواس " زعيما لطبقة أخرى كانت أشدّ من الأولى فُجورا و أقلّ منها حرصا على الاستتار ..على أنّ من الحقّ أن نعرف ﻟ " أبي نواس " شيئا غير هذا الفسق و الإغراق في المجون و هو أنّه كان يريد أن يتّخذ – و يتّخذ النّاس معه – في الشّعر مذهبا جديدا هو التّوفيق بين الشّعر و بين الحياة الحاضرة بحيث يكون الشّعر مرآة صافية تتمثّل فيها الحياة ومعنى ذلك العدول عن طريق القدماء و ما ألفوا من ضروب العيش. فإذا تغيّرت ضروب العيش هذه وجب أن يتغيّر الشّعر الّذي يتغنّى بها، فليس يليق بساكن بغداد المستمتع بالحضارة و لذّاتها أن يصف الخيام و الأطلال، و إنّما يجب عليه أن يصف القصور و يتغنّى بالخمر و القيان ، فإن فعل غير ذلك فهو كاذب. و لم يكن يدعو إلى تجنّب أساليب القدماء في وصف الأطلال و البكاء عليها وحدها و إنّما كان يدعو إلى تجنّب سنّة القدماء في المعاني و الألفاظ جميعا... فهو يطالب الشّعراء بأن يكونوا صادقين غير منافقين مع أنفسهم فإذا نبذوا القديم و اجتنبوه في واقع الأمر، فمن الحقّ عليهم ألاّ يخفوا هذا، فيقول:
لذلك آثر العنف في خطاب خصمه، فأسرف في ذمّ القديم و النّعي على من يتكلّفه، و أسرف في مدح الجديد و الحثّ عليه و تبرّمه بأسد و من يبكي على " أسد " و إلى ذمّه لتميم و " قيس "، و يخلص إلى احتقار القديم و يرفع من شأن الجديد و يأخذ النّاس بأن ينظروا إلى ما حولهم من جمال الطّبيعة فيألفوه و يصفوه و لا يشغلوا عن رياض العراق و جنّاته، بطلول الجزيرة و صحاريها. فإنّ شعر " أبي نواس " في الخمر كان يرمي إلى غرضين اثنين: الاعتراف بالجديد في الأدب و الاعتراف بالجديد في الحياة، بل نستطيع أن نوجز فنقول كان شعر " أبي نواس " كلّه رفضا للقديم في كلّ شيء و كلفا بالجديد في كلّ شيء.
بتصرف
اكتشاف معطيات النص :
ـ كان أمر العربان مع الفرس كأمر الرومان مع اليونان من وجوه كثيرة , فقد سبق الفرس إلى الحضارة والنظام , فلما جاء الإسلام
وكان الفتح , كان القتال والتغالب بين الحضارة الفارسية وبداوة الاعراب .
ـ كان أبو نواس يدعو إلى تجنب أساليب القدماء , في وصف الأطلال والبكاء عليها , وإلى تجنب سنة القدماء في المعاني والألفاظ جميعا.
مناقشة معطيات النص :
ـ كان القتال عنيفا بعض الشيء حين كانت الحياة العقلية موضوعا له , فاشتد الصراع بين أنصار عادات العربان و سننهم القديمة والسنن الموروثة , وأنصار العادات والسنن الفارسية .
ـ النمط السائد في النص هو النمط السردي , لأن طبيعة الموضوع تاريخية
الاستخلاص و التسجيل :
ـ كان أبو نواس يدعو إلى تجنب أساليب الاعراب القدماء في وصف الأطلال والبكاء عليها , كما كان يدعو إلى تجنب سنة قدماء الاعراب في المعاني والألفاظ , وهو يطالب الشعراء بأن يكونوا صادقين غير منافقين مع أنفسهم .
ـ كان يرمي شعر أبي نواس في الخمر إلى غرضين اثنين هما :
الاعتراف بجديد الأدب , والاعتراف بجديد الحياة .
إرسال تعليق