نهضة الادب في عهد الدولة الرستمية
أدب القرون الوسطى
شهدت القرون الوسطى قيام العديد من الدول، كالدولة الأمويّة، والعباسيّة، والعثمانيّة، في المشرق، والدول الفاطميّة والادريسية والمدارية والرستميّة في شمال افريقيا، إلّا أنّ الدول التي ظهرت في المشرق العربي حصلت على كامل الاهتمام التاريخي عند مؤرخي العرب على خلاف دول شمال افريقيا، قد يعود هذا التقصير لأسباب عدة مختلفة، إلّا أنّ عدم تسليط الأضواء عليها تاريخياً لا يعني عدم قوّتها أو قوّة ما قدمت للانسانية ، وفي هذا المقال سوف نركز على جانب موجز من حياة الدولة الرستميّة الإباضية ألا وهو النهضة الأدبية لها.الدولة الرستميّة
يعود تأسيس هذه الدولة إلى عبد الرحمن بن رستم الذي ينتمي في نسبه إلى بني رستم وهي سلالة فارسية حكمت الدولة على مدار 136 سنة بمدينة تاهرت، وكان يتبع المذهب الأباضي، وينسب المؤرخون تاريخ المذهب الإباضي في شمال افريقيا إلى أواخر العهد الأموي وبداية العباسي، حيث كان دعاة وعلماء التيار المذهبي يتوجهون إلى شمال إفريقيا لنشر فكرهم فيه، بحيث انتشرت الدعوة الإباضية في جبل نفوسة غرب ليبيا وبعض مناطق المغرب الاقصى؛ لتنشأ الدولة الرستميّة في ذلك الوقت. إنّ الحياة في شمال إفريقيا في ذلك الوقت كانت تأخذ الطابع الصحراوي حيث الجبال المتصلة بالصحراء، والتي يغلب على حياة أهلها الظعن وسكن الخيام و كسب الإبل والتجارة في مع السودان، إلّا أنّ قيام الدولة وما قاموا به من العمران ، أذهبت عنهم البأس و البداوة التي كانوا مختصين بها و حولت تلك البؤرة إلى مناطق حضارية في ذلك الوقت، وأدى هذا الازدهار إلى جعلها محط أنظار التجار والعلماء والمثقفين.أزقة المدينة القديمة |
نهضة الأدب في عهد الدولة الرستميّة
اهتمت الدولة الرستميّة بالتعليم ، و كان جل ما يتداولونه من علم لا يخرج عن إطار الدين و العبادات ولقد أقاموا حلقات طلب العلم الشرعي ، حيث أقيمت هذه الحلقات العلمية في المساجد لتدريس القرآن والفقه والتفسيرعلى فهم المذهب الإباضي ، أيضاً اهتموا بإنشاء المكتبات العلمية التي تحتوي على المجلدات في مختلف العلوم الدينية ، ومن أشهر هذه المكتبات مكتبة المعصومة والتي كانت تحتوي على آلاف المجلدات، أوصلها المؤرخون إلى نحو 300 ألف مجلد، وكان اهتمام هذه المجلدات بأصول المذهب الإباضي إضافةً إلى مجلدات في العلوم الدينية والتفسير والفقه والأصول وغيرها والعلوم المختلفة كالطب والرياضيات والفلك والهندسة واللغة العربية وتعريب الأمازيغ.المسجد العتيق |
كل هذا الاهتمام من الرستميين بالحياة العلمية كان لا بدّ له من أن يكون مصاحبا بطفرة وافرة من التأليف والإبداع ، فاهتم كثير منهم بالأدب العربي من الشعر والنثر، ومن أبرز شعرائهم الإمام أفلح بن عبد الوهاب ومن أبرز وأجمل قصائده في مدح العلم والتي قال فيها:
العلم أبقى لأهل العلم آثاراً
وليلهم بشموس العلم قد ناراً
يحيى به ذكرهم طول الزمان وقد
يريك أشخاصهم روحا وأبكاراً
حي وان مات ذو علم وذو ورع
إن كان في منهج الأبرار ما مارا
وأيضاً لشاعر تاهرت بكر بن حماد الزناتي حيث قال:
قف بالقبور فنادي الهامدين بها
من أعظم بليت فيها وأجساد
قوم تقطعت الأسباب بينهم
من الوصال وصاروا تحت أوطاد
راحوا جميعا على الاقدام وابتكروا
فلن يروحوا ولن يغدو لهم غادي
أمّا فيما يخص النثر فقد كان لهم حظاً وافراً متمثلاً بالخطب التي كان يكتبها الأئمة لخطب الجمعة و دواوين الدولة ومراسلاتها .،،،،،،،،،،،
تعتبر الدّولة الرّستميّة أوّل دولة استقلت عن العرب. و قد شيّدها أبناؤها من قبيلة لماية الأمازيغية في تاريخ مبكّر فحملت مشعل العلم و الحضارة في المغرب الأوسطّ فكانت تنافس القيروان من حيث الأهمّيّة. فبلغت بذلك حياة فكريّة لا مثيل لها من النّاحية الثّقافية جنبا إلى جنب مع القيروان و قرطبة الاسبانية أكبر عاصمتين مغربيّتين في تلك الفترة.
لقد كان للرّستميّين دور بارز في الحياة الدينية بالمغرب الأوسط، و لقد حملت هذه الدّولة كما يقول الأستاذ "ابن تاويت الطّانجي" مشعلا عظيما للحضارة و العلم في بلاد المغرب فكانت تلي القيروان في ذلك. ما كان ﻟمدينة فاس عاصمة الأدارسة أن تبلغ مبلغ تيهرت الرّستميّة في الحياة الدينية، والحضارية منها. و الحقيقة أنّ الرّستميّين بحكم ثقافتهم الواسعة شجّعوا الحركة الفكريّة فنشطت تاهرت في هذا الميدان كما نشطت في الميادين الأخرى و طار صيتها في الآفاق بعد تعميرها حتّى دُعيت "عراق المغرب و بلخ المغرب" إلحاقا بها في المعارف و العمران و الحضارة. و إذا كانت تاهرت قد برزت كمركز ثقافيّ مشهور في شمال إفريقيا خلال القرن الثّالث الهجريّ، فإنّ ذلك راجع إلى كونها عاصمة دولة مستقلّة. و الواقع أنّ دور الحكّام الرّستميّين في الحياة الفكريّة كبير، و يثبت هذا ما قاموا به من جهود في نشر العلم و بناء المساجد و جلب الكتب من المشرق. و قد كان أصحاب المذهب الإباظي في الدّولة الرّستميّة من المهتمّين باللّغة العربيّة، و إتقانها ليخيّل إلينا أنّ الضّابط لها و الحافظ لرسمها و نطقها يعتبر عندهم عالما.
و نشير هنا أنّ الجهود الّتي بُذلت في عهد الدّولة الرّستميّة لتعريب الأمازيغ، جهود جبّارة كانت من أهمّ الخلفيّات الثّقافيّة العربيّة الّتي انطلقت منها دولة بني حمّاد بإفريقيا و أصبح علماؤها يناظرون فقهاء المشرق في قواعد الأصول... و مبادئ علم الكلام، ممّا سهّل تعريب المغرب... و كانت العربيّة في الدّولة الرّستميّة لغة الأدب، و تتّفق الدّراسات الحديثة تقريبا على أنّ الدّولة الرّستميّة لم تبرز في الحياة الأدبيّة الصّرفة بروزها في الحياة الدّينيّة من فقه و فلسفة وحديث و مناظرات.
و يذهب بعض العلماء إلى الاهتمام البالغ بالحياة الدّينيّة على حساب الحياة العلميّة البحتة باستثناء القليل منهم، و نذكر على سبيل المثال: العلامة أبا بكر بن الأفلح الّذي كان يحبّ الآداب و الأشعار وتشجيع الحاكم للأدباء و الشّعراء و رعايته لهم من الأمور الّتي دفعت بالحياة الأدبيّة أشواطا، فيجود الأديب بما لديه من عبقريّة، و لم يكن الامراء الرّستميّون ينتظرون من الشّاعر أن يدافع عنهم أو يشهر أفكارهم. و هناك من الآراء مفادها أنّ الحياة الأدبيّة الّتي شهدتها تاهرت خاصّة لم تصل إلينا لعدم اهتمام المؤرّخين و أصحاب كتب التّراجم بتدوينها. و من أبرز شعراء هذه الدّولة العلامة أفلح بن عبد الوهّاب و الشاعر بكر بن حمّاد بن سمك بن إسماعيل الزّنّاتيّ التاهرتي و هذا الأخير نظم قصائد في أغراض مختلفة كالوصف و المدح و الهجاء و الرّثاء.
أمّا في فن النّثر فيرى الدّكتور "أحمد مختار عمر" أنّ النّثر عند الإباضيّة قد فاق جانب الشّعر و أنّه جاء على شكل خطب أو وصايا أو رسائل ديوانيّة أو أقاصيص تعليميّة أو حكم، و نذكر منهم الإمام عبد الوهّاب الّذي أرسل رسالة إلى جبل نفوسة في مسألة خلف بن السّمح الّذي ولي على اهل الجبل الأمازيغ من قبيلة نفوسة بعد وفاة والده، و يرى المصدر نفسه أنّ النّثر الإباضيّ كان باللّسان الأمازيغي عرّبه كتّاب السّير و الطّبقات فيما بعد. من جهته يشكّك الدّكتور "رابح بونار" في وجود غير الرّسائل الدّيوانيّة و الخطب.
و أخيرا ما يمكن الإشارة إليه أنّ اهتمام التاهرتيين بالشّعر و النّثر له علاقة الاستمراريّة بما كان سائدا في تاهرت في القرن الثّالث الهجريّ، فكانت الحياة الفكريّة في هذه الدّولة تنبض بالنّشاط.
النّص
يعتبر القرن الثّاني و الثّالث الهجريّين انطلاقة حقيقيّة في ميادين الفكر و الثّقافة والعلوم المختلفة بالبلاد الإسلامية. و كانت الدّولة الرّستميّة قد نشأت من حيث المكان و الزّمان في تلك القرون الأولى من تاريخ المسلمين الديني، فمن حيث المكان في المغرب إذ هي الدّولة الأولى الّتي استقلت عن العرب في ذلك التّاريخ المبكّر لذا يعتبر كلّ ما قدّمه أبناء المغربين الأدنى و الأوسط في الميدان الفكريّ جديدا في شمال افريقيا.لقد كان للرّستميّين دور بارز في الحياة الدينية بالمغرب الأوسط، و لقد حملت هذه الدّولة كما يقول الأستاذ "ابن تاويت الطّانجي" مشعلا عظيما للحضارة و العلم في بلاد المغرب فكانت تلي القيروان في ذلك. ما كان ﻟمدينة فاس عاصمة الأدارسة أن تبلغ مبلغ تيهرت الرّستميّة في الحياة الدينية، والحضارية منها. و الحقيقة أنّ الرّستميّين بحكم ثقافتهم الواسعة شجّعوا الحركة الفكريّة فنشطت تاهرت في هذا الميدان كما نشطت في الميادين الأخرى و طار صيتها في الآفاق بعد تعميرها حتّى دُعيت "عراق المغرب و بلخ المغرب" إلحاقا بها في المعارف و العمران و الحضارة. و إذا كانت تاهرت قد برزت كمركز ثقافيّ مشهور في شمال إفريقيا خلال القرن الثّالث الهجريّ، فإنّ ذلك راجع إلى كونها عاصمة دولة مستقلّة. و الواقع أنّ دور الحكّام الرّستميّين في الحياة الفكريّة كبير، و يثبت هذا ما قاموا به من جهود في نشر العلم و بناء المساجد و جلب الكتب من المشرق. و قد كان أصحاب المذهب الإباظي في الدّولة الرّستميّة من المهتمّين باللّغة العربيّة، و إتقانها ليخيّل إلينا أنّ الضّابط لها و الحافظ لرسمها و نطقها يعتبر عندهم عالما.
و نشير هنا أنّ الجهود الّتي بُذلت في عهد الدّولة الرّستميّة لتعريب الأمازيغ، جهود جبّارة كانت من أهمّ الخلفيّات الثّقافيّة العربيّة الّتي انطلقت منها دولة بني حمّاد بإفريقيا و أصبح علماؤها يناظرون فقهاء المشرق في قواعد الأصول... و مبادئ علم الكلام، ممّا سهّل تعريب المغرب... و كانت العربيّة في الدّولة الرّستميّة لغة الأدب، و تتّفق الدّراسات الحديثة تقريبا على أنّ الدّولة الرّستميّة لم تبرز في الحياة الأدبيّة الصّرفة بروزها في الحياة الدّينيّة من فقه و فلسفة وحديث و مناظرات.
و يذهب بعض العلماء إلى الاهتمام البالغ بالحياة الدّينيّة على حساب الحياة العلميّة البحتة باستثناء القليل منهم، و نذكر على سبيل المثال: العلامة أبا بكر بن الأفلح الّذي كان يحبّ الآداب و الأشعار وتشجيع الحاكم للأدباء و الشّعراء و رعايته لهم من الأمور الّتي دفعت بالحياة الأدبيّة أشواطا، فيجود الأديب بما لديه من عبقريّة، و لم يكن الامراء الرّستميّون ينتظرون من الشّاعر أن يدافع عنهم أو يشهر أفكارهم. و هناك من الآراء مفادها أنّ الحياة الأدبيّة الّتي شهدتها تاهرت خاصّة لم تصل إلينا لعدم اهتمام المؤرّخين و أصحاب كتب التّراجم بتدوينها. و من أبرز شعراء هذه الدّولة العلامة أفلح بن عبد الوهّاب و الشاعر بكر بن حمّاد بن سمك بن إسماعيل الزّنّاتيّ التاهرتي و هذا الأخير نظم قصائد في أغراض مختلفة كالوصف و المدح و الهجاء و الرّثاء.
أمّا في فن النّثر فيرى الدّكتور "أحمد مختار عمر" أنّ النّثر عند الإباضيّة قد فاق جانب الشّعر و أنّه جاء على شكل خطب أو وصايا أو رسائل ديوانيّة أو أقاصيص تعليميّة أو حكم، و نذكر منهم الإمام عبد الوهّاب الّذي أرسل رسالة إلى جبل نفوسة في مسألة خلف بن السّمح الّذي ولي على اهل الجبل الأمازيغ من قبيلة نفوسة بعد وفاة والده، و يرى المصدر نفسه أنّ النّثر الإباضيّ كان باللّسان الأمازيغي عرّبه كتّاب السّير و الطّبقات فيما بعد. من جهته يشكّك الدّكتور "رابح بونار" في وجود غير الرّسائل الدّيوانيّة و الخطب.
و أخيرا ما يمكن الإشارة إليه أنّ اهتمام التاهرتيين بالشّعر و النّثر له علاقة الاستمراريّة بما كان سائدا في تاهرت في القرن الثّالث الهجريّ، فكانت الحياة الفكريّة في هذه الدّولة تنبض بالنّشاط.
بحاز إبراهيم بكير بتصرف .
1* اكتشاف معطيات النص :
- تأسّست الإمارة الرستمية سنة 160ه - 296ه (حوالي 136 سنة) على يد الإمام عبد الرحمان بن رستم بتاهرت (تيارت حاليا)- قام الرستميون بتشجيع الحركة الفكرية و دعمها من خلال : نشر العلم و بناء المساجد و جلب الكتب.
- شبهت تاهرت بعراق المغرب لما حققته من تطور كبير في مجالات شتى (الحضارة .. الدين .. المعرفة و الفكر) و توفير سبل الحضارة والرفاهية
- المجالات الفكرية التي اهتم بها الرستميون هي (النثر و الشعر) غير أنهم اهتموا أكثر بالنثر على الشعر من خلال تغليب الحياة الدينية على الحياة العلمية ونشر الإسلام و تعريب الأمازيغ
2* مناقشة معطيات النص :
- مفهوم العبارة الإستقلال هو إنشاء هيئات سياسية مستقلة عن الحكم المركزي-الجهود التي بذلها الرستميون في سبيل النهضة الفكرية هي :
* تشجيع العلم
* تعريب الأمازيغ
* جعل اللغة العربية لغة الآداب
* تشجيع التأليف و المكتبات
شكراً جزاكم الله خيراً
ردحذفإرسال تعليق