ديهيا الأوراس الأمازيغية : ديهيا رمز للمرأة المقاومة عقرت الدنيا عن مثلها قامت مع ابناء عرشها بالتصدي للارهاب بنسخته الأصلية بعد ان عرفت حقيقة الغزاة الجدد المختبئين بعباءة التدين هناك بالاوراس سطرت بدمائها احرفا للمجد بقيت خالدة مدى الدهر.
الخبر عن ديهيا وقومها جراوة من زناتة وشأنهم مع العرب عند الغزو
كانت هذه الأمة من الأمازيغ بإفريقية و المغرب في قوة و كثرة و عديد و جموع، و كانوا الإفرنجة بأمصارهم طاعة معروفة و ملك الضواحي كلها لهم، وعليهم مظاهرة الإفرنجة مهما احتاجوا إليهم. و لما أطل العرب في عساكرهم على إفريقية للغزو ظاهروا جرجير في زحفه إليهم حتى قتله العرب، و انفضت جموعهم و افترقت رياستهم و لم يكن بعدها بإفريقية موضع للقاء العرب بجمعهم لما كانت غزواتهم لكل أمة الأمازيغ في ناحيتها وموطنها و مع من تحيز إليهم من قبل الإفرنجة. ولما اشتغل العرب في حرب علي ومعاوية أغفلوا أمر إفريقية، ثم ولاها معاوية بعد عام عقيبة بن نافع الفهري فأثخن في المغرب في ولايته الثانية و بلغ إلى السوس، و قتل بالزاب في مرجعه. واجتمع الأمازيغ على اكسيل كبير أوربة. و زحف إليه بعد ذلك زهير بن قيس البلوي أيام عبد الملك بن مروان فهزمه وملك القيروان و أخرج العرب من إفريقية. وبعث عبد الملك حسان بن النعمان في عساكر العرب فهزموا الأمازيغ، و قتل اكسيل واسترجعوا القيروان و قرطاجنة و إفريقية و فر بقية الإفرنجة و الروم إلى صقلية و الأندلس، و افترقت رياسة الأمازيغ في شعوبهم. و كانت زنانة أعظم قبائل الأمازيغ و أكثرها جموعاً و بطوناً، و كان موطن جراوة منهم بجبل أوراس، و هم ولد كراو بن الديرت بن جانا. و كانت رياستهم لديهيا دهيا بنت تابنة بن نيقان بن باورا بن مصكسري بن أفرد بن وصيلا بن جراو. و كان لها بنون ثلاثة ورثوا رياسة قومهم عن سلفهم و ربوا في حجرها، فاستبدت عليهم وعلى قومها بهم، و بما كان لها من الكهانة والمعرفة بغيب أحوالهم و عواقب أمورهم فانتهت إليها رياستهم.
قال هاني بن بكور الضريسي: ملكت عليهم خمساً وثلاثين سنة وعاشت مائة وسبعاً وعشرين سنة. و كان قتل عقيبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس بإغرائها أمازيغ تهودا عليه، و كان العرب يعرفون ذلك منها. فلما انقضى جمع الأمازيغ، و قتل أكسيل زحفوا إلى هذه الأمازيغية بمعتصمها من جبل أوراس، و قد ضوي إليها بنو يفرن و من كان بإفريقية من قبائل زناتة وسائر البتر فلقيتهم بالبسيط أمام جبلها. و انهزم العرب و اتبعت آثارهم في جموعها حتى أخرجتهم من إفريقية، و انتهى حسان إلى برقة فأقام بها حتى جاءه المدد من عبد الملك، فزحف إليهم سنة أربع و سبعين و فض جموعهم، و أوقع بهم و قتل ديهيا، و اقتحم جبل أوراس عنوة و استلحم فيه زهاء مائة ألف.
و كان لديهيا ابنان قد لحقا بحسان قبل الواقعة، أشارت عليهما بذلك أمهما دهيا لأثارة علم كان لديها في ذلك من شيطانها فتقبلهما حسان. وحسن إسلامهما و استقامت طاعتهما. و عقد لهما على قومهما جراوة و من انضوى إليهم بجبل أوراس. ثم افترق فلهم من بعد ذلك وانقرض أمرهم. وافترق جراوة أوزاعا بين قبائل الأمازيغ، و كان منهم قوم بسواحل مليلة، و كان لهم آثار بين جيرانهم هناك. و إليهم نزع ابن أبي العيش لما غلبه موسى بن أبي العافية على سلطانه بتلمسان أول المائة الرابعة حسبما نذكره. فنزل إليهم و بنى القلعة بينهم إلى أن خربت من بعد ذلك. والفل منهم بذلك الوطن إلى الآن لهذا العهد مندرجون في يطوفت و من إليهم من قبائل غمارة، والله وارث الأرض ومن عليها.
عن ابن خلدون بالتعديل
أوراس:
هو جبل قريب من باغاية بإفريقية بينه وبين نقاوس ثلاث مراحل و هو المتصل بالسوس، و يقال إنه قطعة من جبل درن بالمغرب و متصل به وطوله نحو اثني عشر يوماً، و مياهه كثيرة و عمارته متصلة و في أهله نخوة و تسلط على من جاورهم من الناس.و في جبل أوراس كانت الملكة المعروفة بديهيا المقتولة في الغزو الأول على يدي العرب، فروي أن حسان بن النعمان الغساني لما أغزاه عبد الملك بن مروان إفريقية سنة تسع وستين في جيش فيه نحو من ستة آلاف فارس لما وصل إفريقية قصد قرطاجنة فوافقه أهلها فقتل رجالهم وفرسانهم فهربوا في البحر في سفن كانت لهم إلى الأندلس وإلى صقلية ثم دخلها بالسيف و أرسل إلى ما حولها من العمران فاجتمعوا له مسرعين خوفاً منه فأمرهم بهدم قرطاجنة و قطع القناة عنها ثم رجع إلى روم سطفورة فقاتلهم فهزم الله تعالى الروم بعد بلاء عظيم ثم سأل عن أعظم ملك بإفريقية و من إذا قتل دانت إفريقية لقاتله، ويئس الأمازيغ و الروم من أنفسهم، فقيل له ليس بإفريقية أعظم قدراً و لا أبعد صيتاً و لا أشد حزماً من امرأة يقال لها ديهيا، و هي في جبل أوراس و جميع من بإفريقية خائفون منها، و الروم سامعون لها مطيعون، فإن قتلتها يئس الروم و الأمازيغ أن تكون لهم دولة. فلما سمع ذلك حسان خرج إليها بجيوشه، فلما بلغ مجانة نزل بها،
و كانت قلعتها لم تفتح فتحصن فيها الروم فمضى و تركهم، و بلغ ديهيا أمره فرجعت إليه من جبل أوراس في عدد لا يعلمه إلا الله تعالى فنزلت مدينة باغاي فأخرجت من بها وظنت أن حسان يريد حصناً يتحصن به، ثم أقبل حسان وزحفت ديهيا فانتهوا إلى نهر كان حسان و من معه يشربون من أعلاه و كانت ديهيا و من معها يشربون من أسفله، وأبى حسان أن يقاتلها ليلاً فوقف كل فريق على مصافهم، فلما أصبح زحف بعضهم إلى بعض ثم اقتتلوا قتالاً شديداً و قتل من العرب خلق عظيم و انهزم حسان بعد بلاء عظيم و سمي النهر نهر البلاء، واتبعته ديهيا بمن معها حتى حد قابس، فأسلم إفريقية و مضى على وجهه وأسرت من أصحابه ثمانية رجال، وقيل ثمانين، فيهم خالد بن يزيد العبسي و كان رجلاً مذكوراً، فلما فصل من قابس كتب إلى عبد الملك يخبره بما نزل من البلاء بالعرب من قبل ديهيا و ترفق في السير طمعاً في لحاق أصحابه، فكتب إليه عبد الملك: أقم حيث يأتيك كتابي و لا تبرح حتى يأتيك أمري، فأتاه كتابه و هو بالموضع الذي يقال له اليوم قصور حسان فابتنى هناك قصراً لنفسه و أقام بمن معه ثلاث سنين و ملكت ديهيا إفريقية كلها وأرسلت من معها من أسرى المسلمين إلا رجلاً واحداً يقال له خالد بن يزيد العبسي، فإنها حبسته عندها، و عمدت إلى دقيق الشعير وهم يسمونه البسيسة، ثم دعت خالد بن يزيد وابنين لها فأمرتهم فأكلوا ثلاثتهم منها، و قالت لهم: أنتم الآن قد صرتم إخوة و ذلك عند الأمازيغ من أعظم العهد في جاهليتهم إذا فعلوه، ثم بعث حسان إلى خالد بن يزيد وهو عند ديهيا يقول له: ما منعك من الكتاب إلي بخبر ديهيا فكتب إليه مع رسوله في خبزة ملة قد أنضجها ليظن من رأى الخبزة أنها زاد للرجل فلم يغب شخص الرسول عنهم حتى خرجت ديهيا ناشرة شعرها تقول: يا معشر بني هلاككم فيما يأكل الناس، كررت ذلك ثلاث مرات.
ومضى الرسول حتى قدم على حسان بالكتاب فيه كل ما احتاج إليه من خبرها، و فيه أن الأمازيغ تجتمع عساكرهم بالنهار و يفترقون بالليل وليس لهم حزم في رأيهم، و إنما ابتلينا بأمر أراده الله عز و جل و أكرم به من أراد منا بدرجة الشهادة، فإذا نظرت في كتابي فاطو المراحل وجد في السير فإن الأمر لك ولست أسلمك إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم كتب خالد بن يزيد بعد ذلك إلى حسان بخبر ما قبله، و عمد إلى قربوس فنقره ثم وضع فيه الكتاب وأطبق عليه وأخفى مكان النقر ثم حمل رسولاً على دابة بالكتاب إلى حسان، فلما فصل خرجت ديهيا ناشرة شعرها تقول: يا بني هلاككم في شيء من نبات الأرض، و كانت من أعلم أهل زمانها بالكهانة، و مضى الرسول حتى قدم على حسان، فلما علمت ديهيا أن حسان يقيم بقصوره لا يبرح قالت للأمازيغ والروم: إنما يطلب حسان من إفريقية المدائن والذهب والفضة والشجر ونحن إنما نريد منها المراعي والمزارع فما أرى لكم إلا خراب إفريقية، فوجهت الأمازيغ يقطعون الشجر ويهدمون الحصون، قالوا: وكانت إفريقية من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحداً وقرى متصلة فأخربت ذلك كله، فخرج من النصارى ثلاثمائة رجل مستغيثين بحسان مما نزل بهم من ديهيا من خراب الحصون وقطع الشجر، وكان قد وجه إليه عبد الملك بن مروان يأمره بالنهوض إلى إفريقية قبل أن تخربها ديهيا، فوافق ذلك قدوم الروم عليه وقدوم رسول خالد بن يزيد عليه، فرجع بجميع عسكره إلى إفريقية? فيقال إن ديهيا خرجت ناشرة شعرها تقول: يا بني انظروا ماذا ترون، فقالوا: نرى شيئاً من سحاب أحمر، قالت: بلى وإلهي ما هو إلا رهج خيل العرب قد أقبلت إليكم، ثم قالت لخالد بن يزيد الذي كانت أسرته: إنما كنت تبنيتك لمثل هذا اليوم، أما أنا فمقتولة ولكن أوصيك بأخويك هذين خيراً، تريد ولديها، فانطلق بهما إلى العرب فخذ لهما أماناً. فانطلق بهما خالد بن يزيد فأخذ لهما أماناً، ولقي حسان وهو مقبل يريد ديهيا، فوصل إلى قابس فلقيته ديهيا، وكانت مع حسان جماعة من الأمازيغ فولى عليهم الأكبر من ولدي ديهيا وأكرمه وأقربه، ولقيته ديهيا في جيوش عظيمة فاقتتلوا فهزمهم الله تعالى، وانهزمت ديهيا تريد قلعة بشر لتتحصن بها فأصبحت القلعة لاصقة بالأرض فهربت تريد جبل أوراس ومعها صنم عظيم من خشب كانت تعبده يحمل بين يديها على جمل، فتبعها حسان حتى قرب من موضعها، فلما كان الليل قالت ديهيا لابنيها: إني مقتولة وإن رأسي تركض به الدواب وتمضي به إلى المشرق من حيث تطلع الشمس وأراه موضوع بين يدي ملك العرب الذي بعث إلينا بهذا الرجل، فقال لها خالد بن يزيد وولداها: فإذا كان الأمر هكذا عندك فارحلي وخلي البلاد، قالت: وكيف أفر وأنا ملكة والملوك لا تفر من الموت فأقلد قومي عاراً إلى آخر الدهر، قالوا لها: أفلا تخافين على قومك قالت: إذا أنا مت فلا أبق الله منهم أحداً في الدنيا، فقال لها خالد بن يزيد وولداها: فما نحن صانعون? فقالت: أما أنت يا خالد بن يزيد فستنال ملكاً عظيماً عند الملك الأعظم وأما أولادي فسيدركون بإفريقية ملكاً عظيماً مع هذا الملك الذي يقتلني، ثم قالت لهم: اركبوا فاستأمنوا إليه فركب خالد بن يزيد وولداها بالليل إلى حسان، فلما أصبح حسان زحف إليها، وأقبلت ديهيا راجعة إليه فلقيت أعنة الخيل خالداً وولديها فسلموا عليهم ومضوا بهم إلى حسان فدخل ابن يزيد على حسان وأخبره بما قالت ديهيا، وأنها وجهت إليه بولديها فأمر بهما حسان فأدخلهما ووكل بهما قوماً، وقدم خالد بن يزيد على أعنة الخيل، فالتقى القوم ووضعوا السلاح بعضهم على بعض ووقع الصبر، وانهزمت ديهيا وقتلت عند بئر سماه الناس بئر ديهيا إلى اليوم، ويقال إنها قتلت عند طبرقة، فنزل حسان على الموضع الذي قتلت فيه وعجب الناس من خلقها وكانت الأترجة تجري فيما بين عجيزتها وأكتافها.
قصر الأجم هو المعروف بقصر ديهيا وبينه وبين المهدية من البلاد الإفريقية ثمانية عشر ميلاً، وذكر أن ديهيا حصرها عدوها في هذا القصر فحفرت سرباً في صخرة صماء من هذا القصر إلى مدينة سلقطة يمشي فيه العدد الكثير من الخيل وبينهما ثمانية عشر ميلاً، ويقال إن أخت ديهيا كانت في سلقطة فكان الطعام يجلب إليها في ذلك السرب على ظهور الدواب، وهذا القصر عجيب البنيان قد أحكم بحجارة طول الواحد منها ستة وعشرون شبراً، وارتفاع القصر في الهواء أربع وعشرون قامة، وهو من داخله كله مدرج إلى أعلاه، وأبوابه طاقات بعضها فوق بعض.
وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما بعثه عثمان إلى إفريقية غازياً لقي جرجير صاحب سبيطلة، وقاتله فقتله عبد الله بن الزبير وشن الغارات على سبيطلة، وأصاب الروم رعب شديد، ولجأوا إلى الحصون والقلاع، فاجتمع أكثر الروم بقصر الأجم فطلبوا من عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلثمائة قنطار من ذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال، وكان في شرطه ان ما أصاب العرب قبل الصلح فهو لهم وما أصابوه بعد الصلح ردوه لهم.
عن ابن عبد المنعم بالتعديل
قصر بغاي
قصر الأجم هو المعروف بقصر ديهيا وبينه وبين المهدية من البلاد الإفريقية ثمانية عشر ميلاً، وذكر أن ديهيا حصرها عدوها في هذا القصر فحفرت سرباً في صخرة صماء من هذا القصر إلى مدينة سلقطة يمشي فيه العدد الكثير من الخيل وبينهما ثمانية عشر ميلاً، ويقال إن أخت ديهيا كانت في سلقطة فكان الطعام يجلب إليها في ذلك السرب على ظهور الدواب، وهذا القصر عجيب البنيان قد أحكم بحجارة طول الواحد منها ستة وعشرون شبراً، وارتفاع القصر في الهواء أربع وعشرون قامة، وهو من داخله كله مدرج إلى أعلاه، وأبوابه طاقات بعضها فوق بعض.
وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما بعثه عثمان إلى إفريقية غازياً لقي جرجير صاحب سبيطلة، وقاتله فقتله عبد الله بن الزبير وشن الغارات على سبيطلة، وأصاب الروم رعب شديد، ولجأوا إلى الحصون والقلاع، فاجتمع أكثر الروم بقصر الأجم فطلبوا من عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلثمائة قنطار من ذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال، وكان في شرطه ان ما أصاب العرب قبل الصلح فهو لهم وما أصابوه بعد الصلح ردوه لهم.
عن ابن عبد المنعم بالتعديل
إرسال تعليق